سورة محمد - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


لولا نُزّلت سورة: هلاّ أنزلت سورة. محكمة: بينة، واضحة. في قلوبهم مرض: شك ونفاق. نظ رالمغشيّ عليه من الموت: كالجبان الذي يخاف من كل شيء. أولَى لهم: ويل لهم. عزم الأمرُ: جد ولزم. إن توليتم: صرتم حكاما وتوليتم امور الناء.
ان المؤمنين المخلصين يقولون: هلاّ أنزِلتْ سورةٌ تدعونا إلى القتال، فإذا انزلت سورةٌ مُحكَمة تأمر به، رايتَ يا محمد الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليكَ بهلَع وخوفٍ كأن الموت يغشاهم، خوفا من القتال وكرها له.
{فأولى لَهُمْ}
فالموتُ أَولى لمثل هؤلاء المنافقين، أهلكهم الله.
{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} ان طاعةً لله وكلمة طيبة لهي أمثل لهم وأحسن مما هم فيه من الهلع والجبن من لقاء العدو، فاذا جدَّ الأمرُ ولزمهم القتال- كرهوه وتخلفوا عنه خوفا وجبنا، ولو صدَقوا في ايمانهم لكان خيرا ًلهم من نفاقهم هذا.
ثم زاد في تأنيبهم وتوبيخهم بقوله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصَارَهُمْ}
أولئك المنافقون الذين طردهم الله من رحمته، فأصمَّهم عن سماع الحق، وأعمَى أبصارَهم عن رؤية طريق الهدى.


يتدبرون القرآن: يتفهمون معانيه ويتفكرون فيه. ارتدّوا على أدبارهم: رجعوا إلى الكفر. سوّل لهم: زين لهم. وأملَى لهم: مدّ لهم الأماني والآمال. أضغانهم: جمع ضِغن وهو الحقد الشديد. بسِيماهم: بعلامتهم. ولتعرفنّهم في لحن القول: في اسلوبه الذي يتكلمون به ومغزاه. ولنبلونَّكم: لنختبرنكم.
افلا يتفهّمون معاني القرآن ويتفكرون فيه، ام ان قلوبهم مغلقةٌ كأن عليها الاقفال! ان الذين رجعوا إلى الكفر بعد أن ظهر لهم طريق الحق والهداية، انما زين لهم الشيطانُ الكفر واغراهم بالنفاق، ومد لهم في الآمال الباطلة. ولقد جاءهم ذلك الضلال من جيرانهم اليهود من بني قريظة والنضير الذين كرهوا الإسلام والقرآن ورسالة الرسول الكريم. فهؤلاء المنافقون مالأوا اليهود فأطمعهم أولئك ببعض الامر، والله يعلم اسرار المنافقين.
هذه الحيل وذلك النفاق وان نفعت في حياتهم فلن تنفع آخر الأمر. {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} انها خاتمة سيئة، ومشهد مخيف مفزع.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}
ان هذا الهول الذي سوف يرونه عند الوفاة انما سببُه أنهم اتّبعوا الباطل الذي لا يرضى الله عنه، وكرهوا الحق الذي يرضاه، فأبطل أعمالَهم جميعها.
ثم بين الله انه يعلم خباياهم ومكرهم وخبثهم فقال: {أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ}
فهل يظن هؤلاء المنافقون ان الله لن يُظه~رَ أحقادهم ويفضحهم للرسول والمؤمنين! ولو نشاء لعرّفناك يا محمد أشخاصَهم، فعرفَته بعلاماتٍ خاصة بهم.
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول}
وأُقسِم أيّها الرسول لتعرفنّهم في اسلوبِ كلامهم المعوج، {والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}.
وقد ثبت في الحديث الصحيح ان الرسول الكريم كان يعرفهم جميعا، وقد عرّفهم إلى حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل رضي الله عنه.
ولنختبرنّكم أيها المؤمنون بالجهاد وتكاليف الشريعة، حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين في البأساء والضراء، ونعرفَ الصادقَ منكم في إيمانه من الكاذب.
قال ابراهيم بن الاشعث: كان الفضيل بن عياض، شيخ الحرم واستاذ زمانه، إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهمّ لا تبتلينا، فإنك إذا بَلَوْتنا فضحْتَنا وهتكتَ أستارنا.
قراءات:
قرأ أبو عمرو: {وأُمليَ لهم}، بالبناء للمجهول. وقرأ يعقوب: {واملي لهم}، بضم الهمزة وكسر اللام على الإخبار. والباقون: {وأَملَى لهم} بفتح الهمزة واللام على انه فعل ماضٍ.
قرأ حمزة والكسائي وحفص: {إسرارهم} بكسر الهمزة. وقرأ الباقون: {أسرارهم} بفتح الهمزة جمع سر. وقرأ أبو بكر: {وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين....ويبلوا اخباركم}. هذه الافعال الثلاثة بالياء. والباقون: بالنون كما هو في المصحف.


شاقّوا الرسول: عادوه وخالفوه. فلا تهِنوا: فلا تضعُفوا عن القتال. وتدعوا إلى السلم: تدعوا الكفار إلى الصلح خوفا منهم. الأعلَون: الغالبون. لن يتركم اعمالكم: لن يُنقص اعمالكم يعني ان الله لا يظلمكم. فيُحْفِكم: فيلحّ عليكم ويجهدكم بطلبها، يقال احفاه بالمسألة: إذا لم يترك شيئا من الالحاح. أضغانكم: أحقادكم.
بعد أن بيّن الله تعالى حال المنافقين ذكَر هنا حال أساتذتهم اليهود الذين كفروا بالله وصدّوا الناس عن الإسلام بهبثهم ومكرهم، وعادَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. وقد تبين لهم صدقُه وأنه رسولُ من عند الله، وعندهم وصفُه في التوراة.. فهؤلاء لن يضروا الله شيئا، وإنما يضرّون أنفسَهم، وسيحبط الله مكايدَهم التي نصبوها للاسلام والمسلمين.
ثم أمر الله عباده المؤمنين بطاعته وطاعةِ رسوله الكريم في كل ما يأمران به، وان لا يبطلوا أعمالَهم برفض طاعتهما فيرتدّوا، ولا يقبل الله مع الشرك أي عمل.
وعن قتادة قال في الآية: من استطاع منكم ان لا يُبطل عملاً صالحاً بعمل سوءٍ فليفعل. ثم بين الله مصير الذين كفروا وصدّوا الناسَ عن الدخول في الاسلام، ثم ماتوا وهم كفار، فلن يغفر الله لهم. وحرّض المسلمين بأن يقاتلوا الكفار بقوله: {فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون}
إياكم ان تضعفوا وتدعوا اعدائكم إلى السلم فأنتم المنتصرون. والله معكم بنصره، ولن ينقصكم ثواب اعمالكم.
ثم أكد على المؤمنين بأنه لا ينبغي الحِرصُ على الدنيا فإنها ظلٌّ زائل، وما هذه الحياة الا لعب ولهو.
{وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} الا القليل النزر الذي فيه اصلاح المجتمع للمعونة على القيام بالمرافق العامة. وهو عليم بأنكم أشحّة على أموالكم، فلو طلبها لبخلتم بها وظهرتْ أحقادكم على طالبيها. واللهُ قد طلب إليكم الانفاق في سبيله، فان بخلتم فضرر ذلك عائد اليكم. وهذا حاصل اليوم، فان معظم أموال البترول مكدّصة في بلاد الغرب، والمسيطرون على هذه الاموال ينفقون على ملذّاتهم الملايين، ويبخلون بالإنفاق في سبيل الله وتسليح المخلصين من العرب ليصدّوا عدونا اليهود وغيرهم من الاعداء.
{هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء}
كأن الآيةَ نزلت في وقتنا الحاضر، وهي صريحةٌُ في شرح احوالنا.
وهنا يأتي التهديد المخيف اذ يقول تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم}
فان تعرِضوا وبتخَلوا باموالكم ولا تنفقوا في سبيل الله، فان الله غنيٌّ عنكم يستبدلُ مكانكم قوماً غيركم، فيكونوا خيراً منكم، يقيمون دينه، ويبذلون أموالَهم في سبيلِ الله بسَخاء، وينصرون هذا الدينَ العظيم. اللهم ألهمنا الصوابَ في القول والعمل.

1 | 2